رجاء لا تطلب مني أن اصمت. إسمحلي اتنفس(4)
تصوروا أن سيد شرطة الجبهة يتجول في المغرب!!!!. فأبسط ما يمكن أن يعود به الى أهله إن كتبت له النجاة، هو أن يكتشف خبايا هذا الوحش المخيف الذي نسمع عنه و لا نراه.
ف 83% من سكان المخيمات تقل اعمارهم عن 50 سنة.هم بعمر النزاع، تفتحت أعينهم على صورة المغرب-الوحش، الذي لا يعرفون عنه غير ما يسمعون. و لا تحدثوني عن الانترنيت و الفضائيات، فهي من اكتشافات القرن الواحد و العشرين، او على الاقل بالنسبة لنا في المخيمات، فأول هاتف دخل عندنا كان سنة 2003، و كان هاتفا محمولا، و الا ما كنا سنعرف الهاتف أبدا. فجارتنا ولاية تيندوف التي تبعد عن مخيمنا باقل من 8 كيلومترات، و كانت تشاهد عجائزنا و شيبنا يتزاحمون في طوابير عند أكشاك هواتف شوارعها، يعز عليها أن تمد كابل إتصالات الى مخيمنا حتى الساعة.
أعود الى أصل الحكاية، و كون أن سيد شرطة الجبهة موجود في مدينة السمارة. و أنه عائد الى أهله و أسرته و دولته، و سوف يسأل. و في عرفنا نقول أن الغائب لا يسأل كم أمضى إنما يسأل كم جاب من الغيبة.
أمضيت شهرا و نيف في مدينة السمارة، محاولا أن أكتشف أين يختبئ هذا الوحش المرعب الذي كنا نسمع في مخيمنا أنه يحتل المدينة و يأسر أهلها. رأيت أن حياة الناس تسير بشكل عادي، لا بل و أفضل بكثير من تلك التي نعيشها. و لم يغنني ذلك عن الاستمرار في البحث. حتى أني جبت أغلب براري ضواحي المدينة، دون أن اعثر للوحش على تجلي.
لم اجد أثرا للوحش.. الوحش غير موجود..لم أصدق نفسي.. أصدق عيني، أم أذني.
تذكرت أني سيد الشرطة، و الحمل ثقيل. علي أن اعود بنتيجة. فالناس ستسأل. لا بل ستشك إن عت سالما معافا، فلم يعد أحد قط من الغابة المظلمة. كل من ذهبوا من مخيمنا الى المغرب، لا يعودون.
وجدتني أمام خيارين لا ثالث لهما. إما أن اخدش عضوا مني بسكين فأدمي نفسي في إحدى ازقة السمارة، و احتفظ بالشريط لحين عودتي. و أقول لهم: أحمدوا الله على سلامتي فلولا دعاؤكم لكنت من حظ كلاب براري المدينة، بعد أن بطش بيا الوحش و رماني لكلابه.
كان خيار أن أرمي نفسي أمام سيارة، أو أسقط من أعلى بناية خيار اكثر إقناعا بوجود الوحش لولا ما فيه من مجازفة. و خاصة السقوط من مكان عال فهو الصورة الدراماتيكية الامثل، و الاقرب الى التصديق. فمما علمنا عن الوحش، أنه كان يأخذ الناس في طائرات هيلوكبتر و يرميهم منها أحياء.
أما الخيار الثاني هو الصدق مع الذات و مع ناسي و أهلي، فأنا سيد شرطتهم: عينهم و أذنهم و علي أن أكاشفهم بحقيقة ما شهدت عيناي، فنحن اصحاب حق شرفاء لا يليق بنا التزييف.
كان الخيار الثاني الاقرب الى نفسي التي تأبى النفاق. لكن ما تزال دونه ربوة. فكيف ساقنعهم بمجرد القول؟. كيف ساقنعهم ان الوحش غير موجود خارج مخيلاتنا؟.
إهتديت الى فكرة أن أظهر لهم أتجول في مدينتي التي حررت منها في العصور الغابرة بعد ان احتلها الوحش الذي يهلك الحرث و النسل، و أقول لهم عبر شاشات التلفاز أنني ههنا. و أني عائد إليكم. فهكذا إن لم يصدقوا بعدم وجود الوحش، أجنب نفسي حرج أن أوصف بالكذاب إذا ما قلت لاحدهم أني ذهبت الى الغابة و عدت منها سالما معافا.
لا تنسوا فنحن في منتصف صائفة 2010. قررت أن أعقد ندوة صحفية في المدينة التي "حررت" منها منذ قرابة 31 سنة.
و لا تغضب يامن تريد مني أن أصمت، فقد قلت حررت، و لم اقل اختطفت. أتدري لماذا؟. لأفترض أنك كما تدعي. منبع الحرية. و أنك إنما رحمة بي أخذتني حينما أخذتني أنا الصبي ذي العشر سنوات محررا، دون إذن من والدي، حتى لا أعيش عبدا في مسقط رأسي و مهد صباي، الذي يحتله الوحش.
يالله كم كانت ستكون هذه الصورة الوردية عن محررينا مضرب المثل، لولا ما سيحصل لاحقا....
و للحكاية بقية
#سلمى ولد سيدي مولود