رجاء لا تطلب مني أن اصمت. إسمحلي اتنفس (2)
نسيت من كثرة الوجع، أن أذكر أن أمي، التي حررت من زوجها كانت حامل في شهرها السابع. و أنها أنجبت مولودا ذكرا، بعد أقل من شهرين في المخيم. سمي على بركة الجبهة على مسمى أحد أعضاء اللجنة التنفيذية (قادة الجبهة التسعة العظام) الذين كان لهم الفضل في تحريرنا. و لن أذكر كيف تدبرت حالها مع الولادة و الرضاعة، و تربية أطفال صاروا خمسا، اكبرهم سنا يبلغ 12 عاما، جاءت بهم الجبهة الى المخيم على عجل حفاة و ما زالوا يرتدون ملابس النوم. و لست أبالغ فهذا ما حصل، فلم نكن نتصور أن منزلنا الذي إحتمينا بجدرانه، سيخذلنا و يساقط ركاما في لحظة فوق أشلائنا و أشيائنا بما فيه نعلنا. و لن اوغل في وصف كل ما حصل، فكله وجع في وجع، و لكل فرد منا حكاية.
و أسأل قساوسة و رهبان محاكم تفتيش القرن الواحد و العشرين.
تختطفني.. تحررني.. تأخذني اليك، سمها ما شئت. فبالكاد أكملت عامي العاشر. و أنت.. أنت من أتيت إلي و اقتلعتني كالنبتة يوم 6 اكتوبر 1979 من مدينتي السمارة، و أخذتني ب"رحمتك" لتعيد غرسي في حديقتك بالرابوني، بحجة أني كنت سأنمو في تربة مالحة، و أنك خشيت علي أن أموت.
قبلت أنك حررتني، و أنك إنما أشفقت علي، و شاهدك أنه لكي تحررني دفعت ثمنا غاليا، و سقط منك 60 شهيدا. و ان قتل أختاي و تمزيق اسرتي كان "خطأ"، و لو لم تقل لي.
و قبلت أن أعيش تحت قماش خيمة بدل منزلنا الاسمنتي الذي دمرته بال" خطأ"، و أن أنسى والدي و أصدقائي، فعليك العوض.
نشأت كما اردتني. درست في المدارس التي تريد وفق المناهج التي تختار. حتى صرت اتقن نطق "واه" و "ارواح" بدل "اييه" و "آجي" التي حررتني منها. لا بل صبغت علي محبتك، فصيرتني لأكون يدك التي تبطش بها و أذنك التي تسمع بها. جعلتني شرطيا. و اي شرطي. سيد الشرطة.
و تأتي لتطلب مني أن أصمت. أنسيت؟. هل نعيد سرد الحكاية، و كيف أنك حررتني، و ربيتني و علمتني و دربتني تحت راية التحرير. أولسنا أحرارا.
سأنسى أنك قلت، و أكمل الحكاية.. و للقصة بقية.
#مصطفى ولد سيدي مولود