رجاء لا تطلب مني أن اصمت. إسمحلي اتنفس (9)


 بعد المقابلة مع تلفزة العيون الجهوية، استقليت سيارة أجرة من العيون الى العاصمة الموريتانية نواكشوط، و منها الى مدينة زويرات شمالا، و هي المدينة التي تتم منها المبادلات التجارية بين المخيمات و موريتانيا، و يتواجد بها الصحراويون بشكل شبه دائم.

أول نتائج وصولي الى مدينة زويرات، علمت ان جواز السفر الذي كان بحوزتي لم يعد صالح للاستعمال. و ما بقي معي من الوثائق هي بطاقة التعريف الصحراوية التي تسمح لي بالتنقل فقط بين موريتانيا و المخيمات.

أعلنت الجبهة صراحة و بشكل رسمي موقفها عبر أحد ممثليها في الخارج أنهم لن يسمحوا لي بدخول المخيمات. و في المقابل أصررت أني ذاهب الى المخيمات.و أصبحت فجأة قضية العالم أكمله. و صرت اتكلم كل اللغات من كثرة استفسار الصحافة عن وضعي و اين و صلت.

حتى الجبهة اتصلت، و قالت انها ارسلت مفاوضين سيقابلونني في مدينة زويرات. و طلبوا مني ان انتظرهم.

كان الجو متوترا جدا، و أكثر من عانى كان مدير أمن الولاية، و كان رجلا طيبا و خلوقا، فقد تحولت مدينته الحدودية البعيدة عن السجالات السياسية حتى في بلده، الى مركز للعالم، و بها انسان تسأل كل الوكالات عن مصيره. و لا حول و لا قوة معه. فموريتانيا ليست طرفا في قضيته، و المصيبة انه بات بلا جنسية. ليس معه غير وثائق الجمهورية الصحراوية التي تتبرأ منه. كان على السيد المدير نفسه أن يؤمن المنزل حيث أقيم فالمدينة مفتوحة على حدود الجبهة من ثلاث جهات، و الاحتياط واجب.

و جاءت رسل الجبهة بال.... كانوا افرادا من القبيلة، منهم من يحمل رسالة الرئيس و منهم من يحمل رسالة الوزير.

محتوى الرسالتين.. شطرين:

أن أعود من حيث اتيت، و قلت ممازحا: أنتم لستم ابناء عم حقا، أتعنون ما قلتم حقا؟. تطلبون من ابن عمكم أن يذهب الى "العدو"!!!!. أم أن المغرب تحول فجأة الى صديق؟؟؟.

و الشطر الثاني: و إلا؟؟؟؟

واصلت المزاح، و سألتهم: لعل الجبهة اعطتهم عقارا افقدكم عقولكم..تأتون الي كابناء عم. و تطلبون مني أن أختار بين الذهاب الى "العدو"!!!! او السجن ل 25 سنة.. ألم يحتقركم من حملكم بمثل هذه الرسالة؟..لو كنت مكانكم لما فعلت.

طيب يا أبناء عمي الذين تشهد لهم القبائل بالعدل: لماذا علي أن أذهب الى "العدو" و إلا ؟؟؟. 

كشفت عن صدري، فلم يجدوني احمل حزاما ناسفا، و فتحت حقيبتي و ليس بها بنادق و لا قنابل.

و تساءلت : ماهو ذنبي كي اخير بين الذهاب الى "العدو" او السجن المؤبد؟.

فلاشك ان فيكم من شهد أطوار المحكمة التي عقدت في مخيمنا للنظر في قضيتي في غيابي.. حدثوني كيف سارت الجلسات. و من كان وكيل النيابة الذي تلا صك الاتهام، و من كان القاضي و المستشارين؟..و من المحامي الذي وكلتموه للدفاع عني؟.

- خلينا من تفيتيتك المحكمة محكمة آش..( دعنا من هزلك، عن أي محكمة تتحدث)؟؟؟؟

-انت قلت أنك مع الحكم الذاتي..

- و ماذا بعد؟..أين المشكل فانتم تقولون أنكم مع الاستقلال، لم انتم من حقكم أن تقولوا و أنا لا؟. دمنا، لساننا، ديننا، افراحنا، جنائزنا. كل شيء فينا واحد، لم انتم من حقكم أن تقولوا و أنا لا؟!!!!


كانت خلاصة المفاوضات تبرئة ذمة الوفد باللهم أني قد بلغت، و جلسة شاي على مزاح "تشيروني": خلينا من تفيتيك (اتركنا من هزلك)، و مضى كل في سبيله دون ان نفسد المودة بيننا.

طمأنتهم قبل أن يستقلوا سيارة العودة الى المخيمات، أني لن أكون أنا السفلي في معركتي، و لو أنه لا شرف في النصر في معركة الاخوة. 

و واصلت رحلتي شمالا نحو بلدة بير أم اغرين الحدودية..و للحكاية بقية...

---------------------------------------

مصطفى سلمى ولد سيدي مولود

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال

تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.