و تريدون مني ان أصمت..رجاء اسمحوا لي أن اتنفس(10)

 


واصلت رحلتي شمالا  الى بادية ام اشكاك غرب بير ام اغرين على خط التماس مع حدود الجبهة، ولا يبعدنا امهيريز حيث تسكن والدتي باكثر من 100 كلم . نزلت عند خالي سيد احمد بندار. و عنده وصلتني رسالة ان والدتي ستاتينا في الغد، حيث نحن داخل الاراضي الموريتانية.

توقعت ان سبب مجئ الوالدة الي، بدل انتظاري انها ستكون محملة برسالة الجبهة الاخيرة. 

وصلت الوالدة و خالي بوزيد الذي يكبرها سنا. امضينا يوما و ليلة، و كانا يحملان رسالتين: واحدة مكشوفة كما الرسائل السابقة، و الاخرى مبطنة، و غير أخلاقية. فقد جاء أحدهم و اتحفظ عن ذكر اسمه، لاني ابتداء من هذا الجزء سأبدأ بذكر الاسماء، حتى يتسنى لإخواني في المخيمات التحقق من كل ما سأورده في حكايتي.

والدتي التي وجدت نفسها كما أبنائي محاطة بجو مشحون من العدائية و التحريض العلني و الهمز و اللمز ضد ابنها، اختارت كما هو دأبها أن تلتجأ الى الله و تقابل كل ما تسمع و تشاهد و تعيش من سلوكات عدائية بالصمت و عدم التعليق. كانت متيقنة من شيء واحد أنها تعرف ابنها الذي ربته على يديها، و بأنه إن لم يكن يحمل خيرا فبالتأكيد لن يكون شرا. فالشر ليس من طبعه أصلا.

قلت والدتي جاءتني مرعوبة من هول ما قيل لها أنه سيحصل لي، و لا يحول بيني و بينه غير أن تطأ قدمي حدود المناطق الصحراوية شرق الحزام من أي مكان. او أن أحاول دخول المخيمات.

سألت والدتي هل لاحظت اي تغيير في طبعي او سلوكاتي، هل لاحظت دبابة او جيش معي منذ وصولها. لم تلاحظ اي شي.. ما زلت انا..انا ابنها الساذج الذي غالبا ما تنعته بانه بلا عقل.

كان اصعب لقاء مررت به هو ذاك اللقاء، فعندما ترى والدتك مرتعبة خشية عليك مما سيصيبك، و ليس بيدك ما تخفف عنها تكون في موقف حرج.

اخذت والدتي الى خارج الخيمة، و كمن لا يعرف المنطقة طلبت منها أن تسمي لي الجبال و الوديان التي تتراءى امامنا حتى جبال ارغيوة: ضحكت المسكينة، و قالت لي اتحسبني ازددت بالامس، و بدات كمن يريد التفاخر بأنه ابن البلدة، تسمي ما بيننا و بين امهيريز.

كالمتعجب سالتها كيف تعرفين كل هذه الاسماء. فبدت كمن لاح أمامه شريط حياته من يوم ولادته حتى اللحظة التي نقف فيها. و عادت لتسمي الجبال و الوديان و الشجر و الحجر، مع تاريخها فيه. هناك ازداد فلان و هناك تزوج فلان و هناك نزلنا عام كذا و هناك فعلنا كذا و كذا.. دون ان تدري لماذا اجرها؟؟؟ و دون ان أسالها قالت لي كيف تسألني عن مكان ولادتك وولادة اخوتك، فمثلك يحفظ كل هذه الاسماء فهذه ارضك و ارض ابيك وجدك.

هنا سالت والدتي هل يحق لأي احد في العااااالم بعد ما قلته للتو، أن يمنعني من دخول امهيريز؟..

هل السمارة التي فيها والدي هي المحتلة؟ ام امهيريز الذي انت فيه هو المحتل؟

هل المغرب هو من شردنا من أرضنا، ام هؤلاء الذين يريدون ان يشردوني الآن من ارضي!!!! ؟

بالامس اختطفونا من السمارة و قتلوا منا من قتلوا و فرقونا عن والدنا. و اليوم يعيدون الكرة من جديد..  بالامس فرقوني عن والدي و اليوم يعيدون نفس الكرة.. و عن من سيفرقوني؟ عنك انت!!!! و عن ابنائي محمد و المهدي و سلمة و الحافظ و مريم التي لم ارها بعد، كما فعلوا مع والدي منذ سنين حينما اختطفوك انت و انا و محمد الشيخ و فالة و الحافظ و محمد الامين الذي لم يره بعد لانه ازداد في المخيمات.. من لك ولهم بعد الله غيري؟ و من لي من بعدكم.. آالسجن احب الي مما يدعونني اليه.. أكون في سجن او قبر في امهيريز، تزورينني فيه أرحم من ما يريدون مني. أين سأذهب أنا الآن؟.. و عن من سأذهب؟!!. عن والدتي و اطفالي و انا البكر!!!!

الدمع الذي لم اذرفه وقتها خشية على والدتي ها انذا اذرفه الآن بعد ان رحلت الى دار البقاء دون ان اودعها..لان الجبهة أبعدتني عن امي و ابي و كل ماهو عزيز علي.. لأني تكلمت..

و تريدون مني ان أصمت..رجاء اسمحوا لي أن اتنفس.

...و للحكاية بقية...

الصورة الرفقة كانت لآخر مرة رأيت فيها والدتي في منفاي منذ سنوات

__مصطفى سلمى ولد سيدي مولود__

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال

تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.